بلدي نيوز – (منى علي)
لا تخفي "إسرائيل" ضلوعها المباشر بالقضية السورية، إن على الصعيد السياسي، أو حتى العسكري، فهي ما فتئت توجه الضربات الجوية بشكل مركز ومكثف داخل الأراضي السورية كلما اعتقدت أن هنالك ما يستدعي ذلك، وسط "تفهم" وتنسيق على أعلى المستويات مع روسيا صاحبة الكلمة الفصل في الميدان السوري، وقوات التحالف الدولي أيضاً بقيادة الولايات المتحدة، وكلا الفريقين يبدي دائما تفهمه "للضرورات الإسرائيلية"، مع ترك مساحة إعلانية لنظام الأسد ليستعرض بشكل أبله وممجوج عضلات ممانعته ومقاومته.
إلا أن المشروع الإسرائيلي في سوريا لا يبدو متوقفا عند "ضربات عسكرية جراحية" وقائية، فمع المشروع الجديد الذي يتبلور في شرق سوريا (شرق الفرات) والذي يمثل أكثر من ثلث مساحة البلاد، تبحث "إسرائيل" فيما يبدو عن علاقات مع القوات الكردية الانفصالية التي تسعى للسيطرة على تلك البقعة الغنية بالنفط والموارد، وبذلك تكون الدولة اليهودية قد عادت لمزاولة أحلام "الفرات" التوراتية، من خلال قوة مسيطرة مستعدة -بحسب التاريخ والوقائع- لإقامة علاقات كاملة مع الدولة اليهودية.
فالتاريخ القريب والراهن يقول بأن "إسرائيل" أقامت أفضل العلاقات العسكرية والتجارية مع إقليم "كردستان العراق"، فاشترت منه نفطا بمليارات الدولارات عندما تمرد الإقليم على الحكومة المركزية في بغداد وقرر بيع النفط منفردا، ليجد السوق الإسرائيلية مفتوحة على مداها، كما قامت "إسرائيل" بتسليح الإقليم ودعمه ماديا وعسكريا في مواجهة تنظيم "الدولة".
أما فيما يخص أكراد سوريا الانفصاليين، فقد قالت البروفسور عوفرا بينغيو، رئيسة برنامج الدراسات الكردية في جامعة تل أبيب، لصحيفة تايمز أوف إسرائيل، في وقت سابق، إن أكراد سوريا "هم مجموعة من الناس على استعداد للتعاون مع إسرائيل"، ممتدحة إياهم بالقول: "بإمكان إسرائيل الفوز بصداقة طرف مستقر ومؤيد لإسرائيل وديمقراطي أكثر وأكثر انفتاحا وليبرالية. دور النساء في سوريا الكردية منفتح وأكثر مساواة من أي مكان آخر في المنطقة".
وفي عام 2014، أعرب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن دعمه للقضية الكردية.
وقال: "علينا دعم الطموح الكردي للاستقلال". وأضاف بأن الأكراد "هم أمة مقاتلين أثبتوا التزامهم السياسي ويستحقون الاستقلال".
فهل يشي هذا "التغزل" والمصالح الاقتصادية والسياسية بإمكانية تقارب فعلي يمكّن "إسرائيل" من النفوذ إلى عمق الفرات، والاستحواذ على ما تبقى من ثروة السوريين؟
الكاتب والباحث السياسي السوري "غازي دحمان" يجيب بالقول إن "العلاقة الكردية- الإسرائيلية قديمة ومتجذرة، صحيح أنها لم تظهر في المقلب السوري، ربما لأنها لم تكن حاجة ضرورية مادام التنسيق الإسرائيلي قائماً مع المركز في دمشق، الآن مع تغير المعطيات لن تجد إسرائيل حرجا في دفع علاقاتها مع أكراد سورية إلى سوية أكثر تطوراً، ولا شك أن الأمر سيندرج في سياق التسابق على مواقع النفوذ في شرق سورية التي تكتشف الأطراف أنها جوهرة وقلب الشرق الأوسط الحيوي وعقدة مواصلاتها ونقطة التقاء تخوم قوى الشرق الأوسط: العرب والفرس والأتراك".
ويوضح الباحث السوري "دحمان" في حديثه لبلدي نيوز المصالح المتقاطعة بين الفريقين في هذه المرحلة، يقول: "ثمّة تقاطعات مصلحية عديدة بين كرد سورية وإسرائيل وهي مداخل منطقية لتطوير العلاقة بين الطرفين، حيث تشكل الزراعة ووفرة المياه إحدى الركائز لدخول إسرائيل بذريعة خبراتها التقنية الرائدة في مجالات الري والزراعة، بالإضافة إلى خبراتها في مجالات الغاز والنفط، فضلاً عن نقل التجربة العسكرية التي تقوم على محاربة فصائل الثوار، أبناء الأرض الحقيقيين، في مواجهة حالة احتلالية".
ويرى "دحمان" أن "(قسد) ستسعى للترويج لنفسها من أجل إغراء إسرائيل لإقامة علاقات متميزة مع الكيان الذي يجري تأسيسه شرق سورية، وسيعتبر ذلك استثماراً مهماً، في ظل مواجهة تركيا والعرب أبناء المنطقة الشرقية، وستسعى (قسد) للاستفادة القصوى من قوة إسرائيل الدبلوماسية في أميركا وأوروبا، وليس ثمّة ما تتحرج منه (قسد) في هذه العلاقة في سبيل مواجهة السوريين، المهم بالنسبة لهم تأمين كيانهم الناشئ بأي وسيلة كانت، فمن ارتكب فظاعات التطهير العرقي في وضح النهار لن يخجل من علاقة مع إسرائيل سيدّعي أن العرب أنفسهم يقيمون مثلها".
أما من الطرف الإسرائيلي للمعادلة، فيقول الباحث "دحمان" إن "إسرائيل أيضا لن تدع فرصة الاستثمار في منطقة إستراتيجية تعرف قيمتها وأهميتها وهو استثمار مجدٍ من كل النواحي، الاقتصادية والإستراتيجية والعسكرية، فضلاً عن كون الأمر يندرج في إطار مساعي إسرائيل لتفكيك سورية إلى عدة دويلات"، مشيراً إلى أن مراكز الأبحاث الأمنية الإسرائيلية لم تخفِ الاعتقاد بأن قيام دويلة كردية في شرق سورية سيؤسس لدينامية تفكيكية في كامل سورية.
أما عن الذرائع التي سيتحصن خلفها الأطراف، فهي كالعادة ستكون متعلقة بالديمقراطية "وبالطبع سيشكل ادعاء ديمقراطية الكيان الناشئ ذريعة لإسرائيل للانخراط في شرق سورية"، وفق "دحمان"، وهي نفسها الذريعة التي استخدمتها أميركا للتغطية على الانحرافات التي تقوم بها هذه الفئة (قسد) التي دفعتها "ديمقراطيتها" للتحالف مع نظام الأسد وتهجير السكان العرب، وكأن الديمقراطية عند إسرائيل وأميركا تقاس بحجم المأساة الممكن إحداثها بالسكان الأصليين!..